وضع داكن
26-02-2025
Logo
الدرس : 42 - سورة آل عمران - تفسير الآية 154 حسن الظن بالله (1)
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني والأربعين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الرابعة والخمسين بعد المائة، وقد وعدتكم أن أشرح لكم بفضل الله وعونه قوله تعالى:

﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةً مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٌ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٍۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (154)﴾

[ سورة آل عمران ]


يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ


1 ـ حُسنُ الظنِ بالله:

ولأن حُسن الظن بالله ثمن الجنة، ولأن الإيمان كله حسن ظنٍ بالله، وأن تظن بالله خيراً، وأن تصفه بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، فكم من كلام يُطرَح بين المسلمين يؤكد جهلاً بالله عز وجل، وسوءَ ظنٍّ بالله، فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ظنوا بالله غير الحق ظن الجاهلية، ومن أجمل ما قرأت حول هذه الآية من كتاب (زاد المعاد) كلام طيب مناسب جداً أن نقرأه كلمَةً كلمةً، فهذا الدرس له طبيعة خاصة، سأحاول أن أقرأ، وأشرح ما في كتاب زاد المعاد للعالم الجليل ابن القيم حول هذه الآية.

2 ـ معنى: سوء الظن بالله في هذه الآية:

يقول الإمام الجليل، وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله سبحانه وتعالى، فسّر هذه الآية بأنه مَن ظنّ أن الله لا ينصر رسوله، وأنّ أمر هذا النبي سيضمَحِلّ، وأنه يُسلِمه للقتل، فقد ظن بالله غير الحق ظن الجاهلية، كتطبيق عملي؛ من يقول الآن: المسلمون انتهوا، لأن كل قِوى الشر تحاربهم، وتلصق أشد التهم بهم ظلماً وعدواناً، فقد ظن بالله غير الحق ظن الجاهلية، الله جل جلاله لا يتخلى عن دينه، ولا يتخلى عن عباده الطيبين الطاهرين.
قد يقع عمل من قِبَل إنسانٍ غير مسلمٍ فيُنسَب إليه فقط، أما إذا وقع العمل على يد مسلم فيُنسَب إلى إسلامه، هكذا ظلماً وعدواناً، فمن ظنّ أن الله سبحانه وتعالى لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمَحِلّ، وأنه يُسلِمه للقتل، فقد ظنّ بالله غير الحق ظن الجاهلية.
ومن ظن أنّ ما أصابهم يوم أُحد لم يكن بقضائه وقدره، الله عز وجل خلق وترك، خلق قوياً وضعيفاً، وتركهم وشأنهم، فالقوي يأكل الضعيف، والغني يمتصّ دم الفقير، ومَن ملَكَ من الدنيا حظوظاً عالية تمتع بالحياة وحده، واستغلّ الآخرين، كل شيء وقع أراده الله، لا يمكن أن يقع في الكون شيءٌ لا يريده الله، دائماً تستوعب خطة الله خطة أهل الدنيا، يضربون، ويسفكون الدماء، ويقتلون، ويُغيرون، لكن لو لم يكن الله مريداً لهذا ما وقع، كل شيء وقع أراده الله.

كلّ شيء وقع فلحكمة بالغة:


لذلك اعتقِدوا هذا الشيء اعتقاداً صحيحاً، لكل واقع حكمة، سواء أكان المُوقِع أحمقَ أم عاقلاً، خيِّراً أم شريراً، ما دام الشيء قد وقع فقد أراده الله، ولحكمة بالِغةٍ بالغةٍ، ما دام هذا البناء قد تهاوى فلحكمة بالغَةٍ بالغةٍ بصرف النظر عما إذا كان الذين فعلوا هذا على حق أو على باطل، اعتقِد هذا، كل شيء وقع أراده الله، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المُطلَق، ومَن ظن أنّ هذا الذي وقع بقضاء الله وقدره، ولكن لا حكمةَ له، فقد ظن بالله غير الحق ظن الجاهلية.
والله أيها الإخوة، هناك كلمات يتلفظ بها العامة هي الكفر بعينه، يقولون: الله يعطي الحلاوة لمَن لا أضراس له، أي الله ليس حكيماً، هذا الكلام هو الكفر بعينه، مَن ظن أن الله لا ينصر رسوله، من ظن أنه يتخلى عن رسوله، وبالتالي يتخلى عن المؤمنين، من ظن أن هذا الذي وقع ليس بقضاء الله وقدره، مَن ظن أن هذا الذي وقع بقضاء الله وقدره لكنْ لا حِكمة فيه، يقول: سبحان الله! يأتي المسلم بجهل شديد، يصف شيئاً غير مقبول، ويقول: سبحان الله! هذا الذي وقع، يجب أن تعتقد أن الذي وقعَ وقَعَ بقضاء الله وقدره.
في أثناء الهجرة أُبِيح دمُ النبي، ووُضِعت مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، فلما تبعه سراقة، وكان يطمع بالمائة ناقة قال له النبي عليه الصلاة والسلام: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟
ما معنى ذلك؟ يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام واثقٌ أنه سيصل إلى المدينة، لأن الله لا بد أن يُتِمّ أمره، ولا بد أن يؤسس دولة، ولا بد أن تنتشر هذه الدعوة في الآفاق، والله وصلت إلى أقصى مدينة في العالم شرق جنوب سيدني بأستراليا، رأيت فيها المساجد، ورأيت فيها جالية إسلامية، وإذاعة للقرآن الكريم، ودروس العلم تنتشر هناك، سبحان الله! هذا مصداق قول النبي: 

((  لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بَلغَ الليلُّ والنّهارُ.  ))

[ تخريج المسند لشعيب ]

أي مكان على سطح الأرض فيه ليل ونهار ستبلغه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن يُتِمّ الله رسالته، ماذا قال الله عز وجل؟ قال:

﴿ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا(6)﴾

[ سورة الفتح  ]

3 ـ الذي يسيء الظن بالله يتخلى الله عنه:

وكلّ واحد الآن يقول: المسلمون انتهوا، لأن كل قوى الشر ضدهم، الله جل جلاله لا يتخلى عنهم، قل هذه المقولة دائماً: لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، هذا الدين شأنه كشأن وقود سائل ملتهب، كلما أردت أن تقمعه كأنك تُطفِئه بالزيت! والزيت يزيده لهباً، اعتقِد أنه مَا ضرّ السحاب نبح الكلاب، وما ضرّ البحر أن ألقى فيه غلامٌ بحجر، ولو تحوّل الناس جميعاً إلى كنّاسين ليثيروا الغبار على الإسلام ما أثاروه إلا على أنفسهم، ويبقى الإسلام هو الإسلام، ولكن إن رأيت أن الله سبحانه وتعالى لا ينصر المسلمين فلِعِلّةٍ في المسلمين؛ لأنهم نقضوا عهد الله وعهد رسوله، لأنهم ما عبدوه حق العبادة، لأنهم أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، ولو كانوا كما أراد الله عز وجل لرأيتم من الآيات ما لا يُصدَّق.
 ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا﴾ شيء خطير جداً أن تظن بالله ظن السَّوء، أو ظنّ الجاهلية، فمَن ظنّ أنّ الله لا ينصر رسله، ولا يُتِمّ أمره، ولا يؤيد جنده، ولا يُعلِيهم، ولا يُظفِرُهم على أعدائهم، وأنه لا ينصر دينه، ولا كتابه، وأنه يقوّي الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إِدالة مُستقرة، ويضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالاً، ولا يقوم بعده أبداً فقد ظنّ بالله غير الحق ظن الجاهلية.
مرة ثانية أيها الإخوة الكرام، هذا الدين دين الله، والله سبحانه وتعالى يتولى نصره، ولو شاء ربك لانتصر منهم، إذا تدخل الله أمره كن فيكون، لكن أراد أن يكسبنا شرف نصر هذا الدين:

﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍۢ ۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ(4)﴾

[ سورة محمد  ]

لو أن الله تدخل بالأمر مباشرة لا أجر لك، لكن أراد الله أن يكون هذا النصر على يديك، قال: إن عزة الله وحكمته تأبى أن يتخلى عن عباده المؤمنين، هؤلاء الذين عارضوا النبي وكانوا أشداء، أقوياء، أبطالاً، أغنياء، وكانوا صناديد القتال، أين هم الآن؟ في مزبلة التاريخ، هؤلاء الذين وقفوا معه، ونصروه، وفدوه بأرواحهم وأموالهم أين هم الآن؟ في أعلى عليين.
قال: فإن عزة الله تأبى أن يذِلّ حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظَّفَر الدائم، هذا يعني أنهم قد ينتصرون نصراً مؤقتاً، للباطل جولة ثم يضمَحِلّ، قال: من ظن كذلك فإنه ما عرف الله عز وجل، ولا عرف أسماءه، ولا عرف صفاته وكماله. 

لن يسلِمك الله لعدوّ ما دمت متمسكا بدينه:


مرة ثانية: مَن أنكر أن يكون ذلك بقضائه وقدره فما عرفه، أنا لا أتكلم من فراغ، شعوب بأكملها في الغرب تعتقد أن الله خلّاق، وليس فعالاً، خلق، وأعطى كل إنسان طاقات، وتركهم، افعلوا ما شئتم، فالقوي يأكل الضعيف، والغني يستعبد الفقير، والذكي يسخّر المحدود، إذا أسلمك الله إلى غيره فلا يستحق أن تعبده.
تخيل أن الله أسلمَ المسلمين إلى عدو لدود قوي جداً، لمجرد أن يُسلِم المسلم لعدو لا يرحم، قوي جداً، أين معنى قوله تعالى: 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

ما معنى قوله تعالى :

﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾

[  سورة الكهف  ]

ماذا نفعل بقوله تعالى : 

﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ(84)﴾

[  سورة الزخرف ]


ما معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: 


((  لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. ))

[  مسند الإمام أحمد عن أبي الدرداء  ]

لذلك ليس في حياة المؤمن كلمة لو .

كلّ شيء بقضاء وقدَر:


وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. ))

[  صحيح مسلم  ]

ومَن أنكرَ أن يكون قدره مِن غير حكمة بالغة، وغاية محمودة يستحق الحمد عليها، وإنما صدر ذلك مِن مشيئةٍ مجردة عن حكمة وغاية مطلوبة فهو قد ظن بالله غير الحق ظن الجاهلية، لمجرد أن تقول: يا رب بلادنا فقيرة، أمطار لا يوجد، تذهب لبلاد الغرب جِنان، أنهار، أمطار، ثلوج، خيرات، لمجرد أن تقول: لماذا نحن هكذا يا رب! فقد ظننت بالله غير الحق، ظن الجاهلية، وكأنك تشك بحكمته.
لذلك قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "ليس بالإمكان أبدع مما كان" ، أي هذا الذي وقع هو أمثل شيء لو كُشِفت الحقيقة.
سيدنا علي كرم الله وجهه يقول: <<والله لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً>> ، أي يقينه قبل كشف الغطاء كيقينه بعد كشف الغطاء، يقول هذا العالم الجليل: "هذه الأسباب المكروهة المُفضِية إلى قضاء الله وقدره لا يخرج تقديرها عن الحكمة لإفضائها إلى ما يحب، وإن كانت مكروهة له" ، كيف؟ الله عز وجل يسوق لعبده مرضاً عضالاً، لأن الله يحب عبده يكره أن يصيبه بهذا المرض، لكن هذا المرض لا بد لشفائه من مرض نفسي.
قد يقدر الله قدراً، ويكره أن يصيب المؤمن به، لكن لا بد من ذلك تماماً كأب طبيب جراح، التهبت زائدة ابنه، يضع ابنه على الطاولة، ويفتح بطنه، ويخدّره، ويستأصل الزائدة، ويتمنى ألف مرة أن تكون هذه الزائدة سليمة لا تحتاج إلى استئصال، هو يفعل هذا بيديه لكنه يعلم علم اليقين أنه لابد من استئصالها.
تماماً لو أن ابنك ارتكب معصية فلا بد أن تؤدبه عليها، وتحبه حباً لا حدود له، تضربه، وتتألم أنت أكثر منه حين ضربه، لا بد أن تؤدّبه، لا بد أن تُحدِث عنده خبرة مؤلمة مع هذا العمل الذي فعله، هذا هو الأب الحكيم، هذه الأشياء التي نكرهها قدّرها الله عز وجل، لم يُقدرها سُدى، ولا أنشأها عبثاً، ولا خلقها باطلاً، قال: 

﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَٰطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ (27)﴾

[  سورة ص  ]


المصائب لتستفيق من الغفلة والسبات:


ظن السوء منتشر أشد الانتشار، مرة قرأت كلمة في مجلة: أنت ضعيف لأنك أخلاقي، وأنت أخلاقي لأنك ضعيف، هذا كلام خطير جداً، في العالم الغربي ولا سيما في هذه الدولة العملاقة يقولون مَثلاً عندهم كالفاتحة عندنا: أنت قوي، إذاً أنت على حق، القوة تصنع الحق، خذ أموال الناس بالباطل، لأنك قوي، هذا هو الحق، قيل في هذه الأيام: القوة من دون حكمة تدمر صاحبها، هذا الذي وقع قوة وعنجهيّة، وغطرسة، وتجاهل لحقوق الآخرين، أدى هذا كله إلى شيء لا تُحمَد عقباه ﴿ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ﴾ أكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السَّوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، تكون أنت في وضع مريح، لو أنك رأيت طفلاً مصاباً بمرض عُضال تعترض على الله، لماذا أصابه هكذا؟ ما ذنبه؟ الإنسان أحياناً يتجاوز سوءُ ظنه لا إلى ما يفعله الله به، بل إلى ما يفعله بغيره.
أنا لا أنسى أن مقابلة جرت بين أحد مَن يعمل في الإعلام في البوسنة ومفتي البوسنة، قال كلامًا خطيرًا: "لا تعتبوا على الله من أجلنا -يخاطب المسلمين في المشرق- نحن لسنا مسلمين، نأكل الخنزير، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونشرب الخمر، بعد هذه الشدة الشديدة أصبحنا مسلمين" .
أحياناً يُصاب إنسان بمصيبة بالغةٍ بالِغةٍ، وعقِبَ هذه المصيبة يستقيم على أمر الله، فلا تعرف حكمة المصائب إلا من نتائجها، فهي في أثناء وقوعها مؤلمة جداً، لكن لولا هذه المصيبة لما كنت بهذا الحال.
قال: "ولا يسلم من هذا الظن السوء إلا من عرف الله، وعرف أسماءه، وصفاته، وعرف مُوجِب حمده وحكمته، فمن قنِط من رحمة الله تعالى، ويئِس من رَوحه فقد ظن به ظن السَّوء" ، فكل إنسان يقول: انتهينا، هذا إنسان يظن بالله غير الحق ظنّ الجاهلية.
قال: "ومن جوّز على الله، أي قبِلَ من الله أن يعذب أولياءه مع إحسانهم، وإخلاصهم، ويسوّي بينهم وبين أعدائه فقد ظنوا به ظن السَّوء" .
والله مرة قال لي واحد: كلما دعونا على أعدائنا اليهود ازدادوا قوة، إنه يظن بالله ظن السَّوء، لكن الله يُملي للظالم، ويستدرجه من حيث لا يعلم، وقد قيل: إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك، وأنت تعصيه فاحذره.
هذا الإنسان خارج العناية المشددة، وهذا كلام دقيق: إن رأيت الله يتابعك كلما زلّت قدمك عاقبك، كلما انحرفت سيرتك شدّد عليك، فاشكر الله عز وجل لأنك ضمن العناية المشددة. 

لا توازن نفسك مع أهل الدنيا:


لو أن طالبًا شكا إلى صديق له خارج المدرسة، قال له: أنا مرهق بالدراسة، ووالدي شديد جداً، والأساتذة كثُر، والوظائف مرهقة، والكتب ضخمة، والفحوص شديدة، والأسئلة صعبة، ولا أنام الليل، فقال له الثاني الذي هو خارج المدرسة: أنا مرتاح جداً، أستيقظ الظهر، آكل، وألعب مع رفاقي، ونذهب إلى السينما، مسكين أنت، لكن من المسكين حقيقة؟ الثاني المتفلّت، هذا في المدرسة ينتظره مستقبل باهر، هذا ينتظره مستقبل مظلم، فلا توازن نفسك مع أهل الدنيا، هذه الموازنة فيها خطأ كبير، أهل الدنيا أحياناً تنطبق عليهم الآية الكريمة:

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)﴾

[  سورة الأنعام  ]

من جوّز على الله عز وجل أن يعذّب أولياءه مع إحسانهم، وإخلاصهم، ويساوي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السَّوء، ومَن ظن أن الله يترك خلقه سُدًى مُعطّلين من الأمر والنهي، الله عز وجل قال: 

﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦٓ ۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)﴾

[  سورة الرعد ]

لا يمكن أن تنقطع رسالاته جل جلاله، لكن لماذا جعل النبي الكريم خاتم الأنبياء؟ لأنه علِم أن العالم كله سيكون غرفة صغيرة.
والله ذهبت إلى أماكن بعيدة جداً في الأرض، كل علماء المسلمين تُسمَع دروسهم هناك من دون استثناء، الآن أصبح العالم قرية صغيرة، أينما ذهبت تجد القرآن، والسنة، والعلماء، والمحاضرات، والأشرطة، والأفلام، والمؤتمرات، فهذا الأمر يصل إلى كل مكان.
قال: من ظن أن يترك خلقه سدى معطلين من الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله، ولا ينزل عليهم كتبه، بل يتركهم هملاً كالأنعام فقد ظن به ظن السَّوء.

﴿ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ(23)﴾

[  سورة الأنفال  ]

لو أنه أسمعهم، وليس فيهم خير ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾

﴿  إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12)﴾

[  سورة الليل  ]

تولى الله بنفسه الهدى، وكلمة على إذا أُضِيفت إلى لفظ الجلالة، هذا هو الإلزام الذاتي، ألزمَ نفسه جل جلاله أن يهدي الخلق، يهديهم بالكون، ويهديهم بالقرآن، وبالرسل، وبالأنبياء، وبالدعاة، وبالمعالجة النفسية المباشرة، وبالمصائب، وبأفعاله. 
ومَن ظنّ أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب، يقول: والله فلان غني، رأى كل مُتع الدنيا، هذا كلام فيه كُفر، وفلان فقير، مسكين لم يرَ من مِتَع الدنيا شيئاً. 

هذا أيضا سوء ظن بالله فاحذره:


"ومَن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دارٍ يُجازى فيها المُحسِن بإحسانه، والمُسيء بإساءته، ويبيّن لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويُظهِر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظن به ظن السَّوء" ما الذي يريحك؟ أنّ بعد الموت حياة أبدية.
رجل فقير دخله محدود، مجهول، في التعتيم، لا أحد يعرفه، لكنه يطيع الله ورسوله، وإنسان آخر كافر من هؤلاء الطغاة الذين يكيدون لأهل الأرض، كافر، جميل الصورة، قوي، ذو صحة جيدة، يتربع على أعلى منصب في العالم مثلاً، فهذا لا شيء، وذاك كل شيء، العبرة بعد الموت، هذا الذي تظنه لا شيء في الجنة، وهذا الذي تظنه كل شيء في النار، لمجرد أن تظن أن هذه الدنيا هي كل شيء، أنت لا تعرف الله، السبب؛ أن الحظوظ متفاوتة، امرأة وسيمة يتزوجها غني كبير، وامرأة تتمنى أن تتزوج فلا تجد الزوج، ما ذنب هذه؟ هكذا خلقها الله عز وجل، لو لم يكن هناك دار آخرة تُسوَّى فيها الحسابات، إنسان تمتع بغنى فاحش، أكل ما لذّ وطاب، وسكن في أجمل البيوت، وركب أجمل المركبات، وإنسان يتمنى أن يأكل قطعة لحم في الشهر لا يجدها!
ومن ظن أن الله جل جلاله يضيّع على المؤمن عمله الصالح الذي عمله خالصاً لوجهه الكريم على امتثال أمره، ويبطله عليه بلا سبب، والله آلاف الأشخاص، فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ : 

((  إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: بِرِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ أَوِ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا  ))

[  صحيح البخاري  ]

هذا حديث صحيح له تفسير دقيق جداً، لكن يفهمه على ظاهره أن الله أحياناً يضع عبداً مؤمناً أفنى كل عمره في طاعته في النار، هكذا، الجواب: يقول لك لا يُسأل عما يفعل، ما هذا!، كيف تتعامل مع إله عظيم يضع عبده الذي أفنى حياته في طاعته في النار؟ هذا أيضاً ظن سوء شديد. من ظن أن الله يضيع على المؤمن عمله الصالح، كان من الممكن أن يكون معه مائة مليون بقي على راتب محدود، لأن ذاك الغنى فيه شبهة، فبقي فقيراً معذبًا كل حياته، يقول لك: يا ليتني فعلت، وربحت هذا المال، ممكن أن تترك شيئًا لله خوفاً من الله، وراجياً رحمته، وأن تندم؟ يمكن أن تعصيه وتربح؟ يمكن أن تطيعه وتخسر؟ أهكذا ظنك بالله؟ تطيعه فتخسر؟ قال تعالى:

﴿ وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُجْبَىٰٓ إِلَيْهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَىْءٍۢ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(57)﴾

[  سورة القصص  ]

كم من إنسان يتوهم الآن أنه إذا استقام تماماً تضيع تجارته، أو يخسر منصبه؟ كم من إنسان يتوهم أن في طاعة الله خسارة كبيرة في الدنيا؟ كم من فتاة تتوهم أنها كلما تبرجت تزوجت، وكلما تحجبت كسدت؟ أي إنسان يتوهم أنه إذا أطاع الله خسر، وإذا عصاه ربح لا إيمان عنده.
كم إنساناً يتوهم أنه إذا أظهر إعلاناً وفيه امرأة شبه عارية يربح، أما إذا التزم بشرع الله يخسر؟ أي إنسان يتوهم أنه إذا أكل الربا يربح، فإذا تعفف عنه يخسر؟ هكذا، مسلمون في الظاهر، وفي زيّهم، وفي حضورهم المساجد، أما في تعاملهم اليومي فليسوا مسلمين: ﴿وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ﴾ ومن ظن أن الله يعاقبه بما لا صنيع له، يقول: سبحان الله! أنت تظن أنه سيقول لك شيئًا يقشعر منه الجلد، فإذا به يقول: الرحمة خاصة، والبلاء يعم، هذا الذي تفوهت به؟ 

﴿ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْ ۖ وَهَلْ نُجَٰزِىٓ إِلَّا ٱلْكَفُورَ (17)﴾

[ سورة سبأ  ]

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[  سورة النحل ]

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾

[ سورة طه  ]

يقول: سبحان الله! يسبح الله، وأنه يعاقبه بما لا صنيع له به، ولا اختيار له، يقول: هكذا يريد الله، كله شغل سيدك، قضاء وقدر، لا تعترض فتُطرَد، كله كلام باطل، من ظن أن الله خلقه كافراً، أو أن إنسانًا خلقه الله كافراً، ثم أودعه في جهنم إلى أبد الآبدين، مَن ظن أن في جيناته انحرافاً فانحرف، ثم عاقبه الله على هذا الانحراف، حسب زعم الإنسان، هذا الانحراف من هذه الجينات، وهذه الجينات من خلق الله عز وجل، كل أوروبا وأمريكا تعتقد أن المنحرف جنسياً في جيناته خطأ، وتركيبة خاصة، لا.
آخر حدث علمي، أُعلِن أن الجينات لا علاقة لها بالسلوك أبداً، مقبول عندك أن الله يركّب الإنسان تركيبة فيها انحراف، ثم يحاسبه على هذا الانحراف؟! يقول: الله قبض قبضتين؛ قبضة إلى الجنة، ولا أبالي، وقبضة إلى النار، ولا أبالي! مثلاً: مدير مدرسة جمع الطلاب أول يوم من العام الدراسي، قرأ أسماء الراسبين في آخر العام، وأسماء الناجحين، واذهبوا وادرسوا! أصبحت الدراسة لا طعم لها، كل من يتوهم هذا يسيء الظن بالله عز وجل.
مَن ظن أنّ الله يؤيد أعداءه الكاذبين بالمعجزات، يقول: أنزلوا المطر عن طريق الطائرات، كل شيء عظيم خارق يُعزى إليهم! وقد ضُرِبوا في عُقر دارهم، أين ذكاؤهم، وأمنهم، ودرعهم الصاروخي؟ أين أصبح هذا؟ من ظن أنه يجوز عليه أن يؤيّد أعداءه الكاذبين بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله، ويجريها على أيديهم، يضلّون بها عباده، فقد ظن بالله ظن السَّوء، معقول الله عز وجل أن يعطي للكافر معجزات خارقة يستوي بها مع النبي!
الآن أخطر فكرة في هذا الموضوع، قال: من ظن أنه يحسُن منه كل شيء حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته، واحد كل عمره قيام ليل، وصوم، وإنفاق، وغض بصر، ووضعه في جهنم، هكذا يريد الله.
مَن ظن أنه يحسُن منه كل شيء حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته، فيخلّده في الجحيم أسفل السافلين، ويُنعِم على من استنفذ عمره في عداوته، وعداوة أنبيائه، ورسله، ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، واحد استنفذ كل عمره في المعصية، وضعه الله عز وجل في الجنة! وآخر أمضى كل عمره في الطاعة فوضعه في النار! وكلا الأمرين عنده في الحُسْن سواء، ما دام ورد نص يا أخي، هكذا ورد.
ولا يعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلا بخبر صادق، هكذا النص.
ما دام ورد النص فقد عطّل عقله نهائياً، أنت يمكن أن تكون بأمريكا تدخل إلى أضخم دار نشر، تجد كتاب الأطلس عمل عليه ثمانية وسبعين دكتوراً، من أضخم دار نشر ثمنه عشرات الألوف، فتحت على الشرق الأوسط، وجدت دمشق فوق بيروت على البحر! وهذا ليس صحيحاً، أي صحة في هذا؟ لو يقول لك ذلك مليون دكتور لا تصدقهم، أنت ابن الشام، وهي مدينة داخلية، أحياناً الواقع أقوى من أي نص، طبعاً لا يمكن أن يكون النص الصحيح خلاف الواقع، النص من عند الله، الواقع خَلْقه، والنص وَحيُه، لكن لو كان النص مكذوبًا أو موضوعًا أو ضعيفًا، وتوهمت أنه صحيح، فصدقت هذا النص، وتخليت عن قناعتك الكبرى أنت لا تعرف الله، أي خلقه كافرًا، وقدّر عليه جهنم إلى أبد الآبدين، هكذا ورد.

خاتمة :


إذا كنت لا تستطيع أن تميز بين ما يجوز، وبين ما لا يجوز، فأنت لا تعرف الله، الموضوع طويل، وإن شاء الله نتابع هذا الموضوع في درس قادم، هذا الدرس مهم جداً، العقيدة أهم شيء في الدين، وأهم ما في العقيدة حسن الظن بالله، وحسن الظن بالله ثمن الجنة، ويريحك، ويملأ قلبك ثقة وطمأنينة، وتفهم الأمور فهماً عميقاً، لكن من دون حسن ظن بالله يرتعد قلبك خوفاً مما تسمع، ومما يتوعد به المتوعّدون، أنا عبدٌ لله، والله لا يتخلى عني، ولا يُسلِمني إلى أعدائي.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور